قال إياس بن معاوية: ما غلبني أحد قط سوى رجل واحد، ذلك أنني كنت في مجلس القضاء في البصرة ودخل علي رجل، وشهد عندي أن البستان الفلاني هو ملك لفلان وحدده لي. ولو أنني قضيت أن البستان له لانتقلت ملكية البستان إليه، لكنني أردت أن أمتحن الشاهد فقلت له: كم عدد شجر البستان؟ سكت قليلا وقال: منذ كم يحكم القاضي في هذا المجلس؟ قيل: منذ كذا سنة. فقال الشاهد: يا سيدي القاضي، كم عدد خشب سقف هذا المجلس؟ فلم أعرف كم عدد خشب سقف المجلس وعرفت قصده. يقصد أنني مضي علي كذا سنة ولا أعرف كم عدد خشب المجلس، فهل سيعلم هو كم عدد شجر البستان؟ فقلت: لا أدري والحق معك.. وأجزت شهادته. ***
لكل مفتر ومبتدع
قال سفيان بن عيينة -رحمه الله: "ليس في الأرض صاحب بدعة إلا وهو يجد ذلة تغشاه وهي في كتاب الله! قالوا: وأين هي من كتاب الله؟
قال: أما سمعتم قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الأعراف: 152]
قالوا: يا أبا محمد، هذه لأصحاب العجل خاصة. قال: كلا! اتلوا ما بعدها: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} [الأعراف: 152] فهي لكل مفتر ومبتدع إلى يوم القيامة". ***
سراج الظلمات
وقال أبوبكر الصديق رضي الله عنه: الظلمات خمس، ولكل واحدة سراج: فالذنوب ظلمة، وسراجها التوبة.. والقبر ظلمة، وسراجه الصلاة.. والميزان ظلمة، وسراجه "لا إله إلا الله"..
والصراط ظلمة، وسراجه اليقين.. والآخرة ظلمة، وسراجها العمل الصالح. ***
أخلصت للحكمة
قال شيخُ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله: "حُكي أنّ أبا حامد الغزاليِّ بَلغهُ أنّ من أَخلصَ للهِ أربعينَ يومًا تَفجَّرت الحِكمةُ من قلبِهِ على لسانِهِ، قال: فأخلصتُ أَربعينَ يومًا؛ فلم يَتفجَّر شيءٌ، فذكرتُ ذلك لبعض العارفينَ. فقال لي: إنك أخلصتَ للحكمة، ولم تُخلص لله". ***
كانوا رجالا
قال الحسن البصري رحمه الله: "لقد رأَيتُ أقوامًا كانت الدُّنيا أَهون على أحدهم من التُّراب تحت قدميه! ولقد رأيتُ أقوامًا يُمْسي أحدهم وما يجدُ عِنده إلا قُوتًا، فيقول: لا أَجعل هذا كلّه في بطني؛ لأجعلنَّ بعضَه للهِ، فيتصدّق ببعضه، وإنْ كان هو أحوج ممن يتصدّق به عليه". ***
لا ينظر إلى وجهه
كان سفيان الثوري رحمه الله يقول: النظر إلى وجه الظالم خطيئة. فدخل عبد الصمد؛ عمّ الخليفة المنصور، على سفيان الثوري يعوده في مرض أصابه، فحوّل وجهه إلى الحائط، ولم يردّ السلام. فقال عبد الله: يا سيف! أظنُّ أبا عبد الله نائمًا. قال: أحسبُ ذاك ـ أصلحك الله!. فقال سفيان: لا تكذب، لست بنائم. فقال عبد الصمد: يا أبا عبد الله! لك حاجة؟ قال: نعم، ثلاث حوائج: لا تعد إليَّ ثانية، ولا تشهد جنازتي، ولا تترحم عليَّ !! فخجل عبد الصمد، وقام، فلما خرج، قال: لقد هممتُ أن لا أخرج إلا ورأسه معي. ***
أغنانا بعلمه
لقي رجل من أهل مَنْبِج رجلًا من أهل المدينة، فقال: ممَّن الرجل؟ فقال: من أهل المدينة. فقال له: لقد أتانا رجل منكم يُقَالُ له الحكم بن عبد المطلب فأغنانا. فقال له المدني: وكيف؟ وما أتاكم إلاَّ في جُبَّة صوف؟! فقال: ما أغنانا بمال، ولكنه علَّمَنَا. ***
أطلقه وفاء لعهده
كان الحارث بن عباد في حرب، وأراد أن يظفر بعدي بن أبي ربيعة، ليثأر منه. وبينما هو في إحدى الحروب أسر رجلا، فطلب منه أن يدله على عدي بن أبي ربيعة. فقال له الأسير: أتـُطلقني من أسري إن دللتك عليه؟ فقال: نعم. قال له: أنا عدي بن أبي ربيعة. فأطلقه وفاءً لعهده...! ***
الولد ولد ولو حكم بلد
خرج والي مصر محمد علي باشا يوما يتنزه مع بعض أفراد حاشيته، فمروا بأولاد يلعبون بـ"الجلل"، وكان بينهم ولد يلبس طربوشا جديدا، فتناوله محمد علي باشا عن رأسه وقال له: "بكم تبيع هذا الطربوش"،
فقال الولد: "طربوشي كان سعره عشرين مصرية قبل أن تمسكه يدكم الكريمة، أما الآن فقد أصبح في يدكم الكريمة أغلى من أن يباع بثمن". فأعجب محمد علي باشا ببداهة الولد وقال لمن معه: "هذا الولد! ربما صار يوما حاكما عظيما". ثم قال له: "إذا أعطيتك ثمن الطربوش ألف مصرية فماذا تفعل بها"؟ قال: "أشتري جللًا وألعب بها مع رفاقي". فضحك محمد علي باشا وقال: "الولد ولد ولو حكم بلد"، فأصبح قوله مثلا. ***
عجائب الدنيا
قال ابن حزم الظاهري: من عجائب الدنيا قوم غلبت عليهم آمال فاسدة لا يحصلون منها إلا على إتعاب النفس عاجلًا ثم الهم والإثم آجلًا، كمن يتمنى غلاء الأقوات التي في غلائها هلاك الناس. وكمن يتمنى بعض الأمور التي فيها الضرر لغيره وإن كانت له فيها منفعة، فإن تأميله ما يؤمل من ذلك لا يعجل له ذلك قبل وقته. فلو تمنى الخير والرخاء لتعجل الأجر والراحة والفضيلة ولم يتعب نفسه طرفة عين فما فوقها.. فاعجبوا لفساد هذه الأخلاق بلا منفعة. ***
عجوز تفحم السلطان
دخلت امرأة عجوز على السلطان العثماني سليمان القانوني رحمه الله تعالى وشكت له جنوده الذين سرقوا منها ماشيتها، بينما كانت نائمة في منزلها. فقال لها السلطان مؤنبًا: كان عليكِ أن تسهري على مواشيك ولا تنامي! فرمقته العجوز وأجابت على تأنيبه: ظننتك ساهرًا علينا يا مولاي فنمت مطمئنة البال. فقال السلطان: معكِ حق.
***
ستة أنواع من البشر
الأول:
نوع يعيش في الدنيا ولا يعرف ما الذي يريده، ولا يعرف أهدافا يحققها... كل هدفه أن يوفر الطعام والشراب على قدر الكفاف... ومع ذلك لا يكف عن الشكوى من ضيق العيش.
والثاني:
نوع يعرف ما الذي يريده ولكن لا يعرف كيف يصل إليه، وينتظر من يوجهه ويأخذ بيده، وهذا النوع من الناس أكثر شقاء من الصنف الأول.
الثالث:
نوع يعرف غايته ويعرف وسائل تحقيقها، ولكنه لا يثق في قدراته، يبدأ خطوات لتحقيق شيء ولا يتمها، يشتري كتابا ولا يقرؤه.. وهكذا دائما، لا يبدأ في خطوات النجاح، وإن بدأها لا يكملها.. وهذا النوع أكثر شقاء من النوعين السابقين.
الرابع:
يعرف ما الذي يريده، ويعرف كيف يصل إليه، واثق في قدراته.. إلا أنه يتأثر بالآخرين، فكلما أنجز شيئا سمع لمن يقول له: هذا الأسلوب غير مفيد، إنما عليك أن تعيد هذا الأمر بشكل آخر..
الخامس
: نوع يعرف ما الذي يريده، ويعرف كيف يصل إليه، واثق في قدراته، ولا يتأثر بآراء الآخرين إلا أنه ليس إيجابيا، يحقق النجاح المادي والعملي... إلا أنه بعد تحقيق النجاح يصيبه الفتور، ويهمل التفكير الإبداعي ومواصلة النجاح..
السادس
:هذا النوع يعرف هدفه، ويعرف وسائل تحقيقه، ويثق بما أعطاه الله سبحانه وتعالى من مواهب وقدرات، ويسمع الآراء المختلفة فيزنها ويستفيد منها، ولا يضعف أمام التحديات والعقبات، وبعدما يبذل كل ما في وسعه، ويأخذ بجميع الأسباب يعزم في طريقه متوكلا على الله سبحانه وتعالى، ويحقق النجاح تلو النجاح، ولا تقف همته عند حد. ***
رأيت جبريل
عن حارثة بن النعمان رضي الله عنه أنه قال: "رأيت جبريل من الدهر مرتين: يوم الصورتين (موضع في المدينة)؛ حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة، مر بنا في صورة دحية، فأمرنا بلبس السلاح.. ويوم موضح الجنائز؛ حين رجعنا من حنين، مررت وهو يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فلم أسلّم. فقال جبريل: من هذا يا محمد؟ قال: "حارثة بن النعمان" فقال: أما إنه من المائة الصابرة يوم حنين الذين تكفل الله بأرزاقهم في الجنة، ولو سلّم لرددنا عليه